«ستراتفور»: السعودية ترغب في إعادة تشكيل الشرق الأوسط.. لكنها ستفشل في ذلك

السبت 2 ديسمبر 2017 07:12 ص

يسعى ولي العهد السعودي القوي إلى إعادة صياغة قواعد المجتمع داخل مملكته. ولكن من المؤكد أن هناك شيئا واحدا سوف يبقى دون تغيير، ألا وهو نهج المملكة في تحدي نفوذ إيران في المنطقة. وبسبب الخوف من ترك الساحة لطهران، وبدعم من واشنطن، ستظل الرياض تحاول التواجد بشكل أكبر في لبنان والعراق وسوريا واليمن. وعلى الرغم من قوة السعودية العملاقة الهائلة، إلا أن خياراتها السياسية والعسكرية في ساحات القتال محدودة مقارنة بإيران، وهي حقيقة قاسية ستستمر في منع السعودية من تحقيق طموحها القديم، المتمثل في الهيمنة على الشرق الأوسط.

التنافس على النفوذ

ومنذ تولي الملك «سلمان» العرش في يناير/كانون الثاني عام 2015، شرعت المملكة العربية السعودية في سلسلة من التدخلات العلنية - بشكل غير مسبوق - خارج حدودها. لكن نهجها الجديد والاستباقي لم يؤد دائما إلى التأثير المقصود. وبعد بضعة أشهر من وصول الملك، بدأت المملكة حملة قصف ضد المسلحين الحوثيين اليمنيين، والمستمرة حتى الآن دون نهاية في الأفق. وفي وقت سابق من هذا العام، قطعت المملكة علاقاتها مع قطر، على أمل إجبارها على تغيير سلوكها في المنطقة، لكنها لم تنجح إلا في دفع الدوحة ناحية خصومها.

وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني، حاولت الرياض استخدام رئيس الوزراء اللبناني كورقة ضغط لوقف نشاطات حزب الله اللبناني، وهو جهد يبدو أنه أثار انطباعا عكسيا، وقد يجر وبالا على المملكة. وعلى الرغم من ذلك، لم ينتج عن محاولات ولي العهد «محمد بن سلمان» للتأثير على الدول السنية في المنطقة لتشكيل جبهة موحدة ضد انتشار إيران المتزايد، سوى الكثير من القول بين حلفاء المملكة، ولكن القليل من الإجراءات الحقيقية.

ومن وجهة نظر الرياض، فإن تأثير إيران المتزايد على مدى العقد الماضي لم يترك لها خيار سوى الرد بطريقة أو بأخرى. وفي عام 2003، خلفت الإطاحة بالرئيس العراقي السابق «صدام حسين» الفوضى، وخلقت مساحة لطهران لتجهيز وتدريب الميليشيات المحلية، في حين تشكلت فصائل مؤيدة لإيران داخل حكومة بغداد. وأدت النزاعات اللاحقة في سوريا واليمن إلى إتاحة فرص إضافية لإيران لتعزيز صلاتها بالمجموعات المسلحة، على الحدود الشمالية والجنوبية للمملكة. ومع اقتراب الحرب الأهلية السورية من التسوية، من المرجح أن يحافظ «بشار الأسد» - حليف إيران - على وضعه في دمشق، الأمر الذي جعل الرياض قلقة بشكل متزايد من تعزيز طهران لموطئ قدمها العسكري والسياسي في بلاد الشام.

وضاعف الاتفاق النووي الإيراني مع الغرب من قلق المملكة إزاء هذه التطورات. وأعطى هذا الاتفاق، الذي خفف بعض العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران، حافزا للرياض في محاولتها احتواء طهران أينما أمكن لها ذلك، من خلال استخدام روابطها السياسية والعسكرية في المنطقة. وتخشى المملكة من الفوضى التي قد ترتكبها إيران من خلال استخدام الإيرادات الإضافية لإيصال المساعدات للمسلحين في البلدان المجاورة، وربما تواصل تطوير الأسلحة النووية سرا.

ومع التحول السياسي الأخير الذي شهدته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، تشجعت المملكة للمضي قدما في مساعيها. وعلى مدى الأعوام القليلة الماضية، عملت واشنطن على تفويض دورها القيادي في عدد من الصراعات الإقليمية للفاعلين المحليين، بما في ذلك الرياض. وتحت ضغط من الولايات المتحدة وحرصا على تعزيز مكانتها في الخارج، حاولت السعودية القبض على زمام الأمور بيديها، من خلال اتباع نهج أكثر حزما في هذه النزاعات. ودعمت إدارة الرئيس الأمريكي «دونالد ترامب»، التي تشارك ولي العهد السعودي رغبته لاحتواء إيران، المملكة بطريقة غير مسبوقة.

وتتماشى مواقف المملكة مع ضرورة الحفاظ على مصالحها ودورها في المنطقة. وتحقيقا لهذه الغاية، سعت الرياض تاريخيا إلى الحفاظ على مكانتها على قمة زعامة العالم الإسلامي، من خلال تصدير تفسيراتها الخاصة من الإسلام. كما عملت على حماية سبل التأثير في الشرق الأوسط، وغالبا ما استخدمت المال والدبلوماسية لتعزيز ظهور الحكومات التي تخدم مصالحها، مع مواجهة نمو الحركات السياسية التي قد تقوض قبضتها على السلطة في الداخل. ولكن مع استمرار المملكة في تحقيق هذه الأهداف المألوفة، أصبحت تواجه عقبات غير مألوفة أيضا، خاصة في الأماكن التي تتعارض فيها مصالحها مع مصالح إيران.

حراس موطن الإسلام

وباعتبارها موطن أقدس موقع في الإسلام، لا تخشى المملكة من محاولات التأثير على جيرانها باستخدام الدين. وعبرت الرياض عن آرائها القوية حول العقيدة الشيعية الإيرانية، والأيديولوجية السنية للإخوان المسلمين، حيث تعتبر كليهما ضارا بالاستقرار الإقليمي.

ومع ذلك، أظهر التاريخ أن التلاعب بالتيارات السياسية للإسلام السياسي محفوف بالمخاطر. وفي السبعينات والثمانينات من القرن الماضي، ساعد قرار المملكة بتصدير الوهابية إلى المدارس المنتشرة في جميع أنحاء المنطقة على إضفاء علامة متحفظة من الإسلام يمكن انحرافها بسهولة أكبر إلى التطرف والتشدد أكثر من بعض التفسيرات الليبرالية.

واليوم، بدأت تظهر آثار تلك الجهود، حيث تأججت المقاومة ضد محاولات ولي العهد الشاب للدخول في عصر «أكثر اعتدالا» من الإسلام. وسواء أتى هذا الرد من رجال دين أو ناشطين إسلاميين داخل المملكة أو من دول إسلامية أخرى لا يوافقون على القيادة الدينية السعودية، فإن السيطرة على الأيدلوجية التي تحرك الحياة اليومية للمجتمعات في جميع أنحاء العالم ليس من السهل على أي دولة.

لكن لم يمنع هذا دولا مثل السعودية وقطر من المحاولة. وعلى مدى العقود القليلة الماضية، رفضت الرياض بشدة السياسة الخارجية للدوحة، ويرجع ذلك جزئيا إلى عدم رغبتها في اتباع نهج المملكة، فضلا عن دعمها لأيدلوجيات معينة من الإسلام خارج حدودها. وقد منح هذا الدعم قطر نفوذا أكبر بكثير من مساحة أراضيها الصغيرة وقلة عدد سكانها. وعلى الرغم من الجهود التي تبذلها الرياض لوقف المساعدات التي تقدمها الدوحة إلى وسائل الإعلام والشخصيات السياسية التي تعتقد أنها تتعارض مع المصالح السعودية، فقد استخدمت قطر احتياطياتها المالية الهائلة لمقاومة الضغوط الاقتصادية التي فرضتها المملكة ضدها. وفي الوقت نفسه، بدأ النزاع يدمر ببطء نسيج مجلس التعاون الخليجي الذي تنتمي إليه كل من البلدين. وبدأت المملكة تفقد اهتمامها بعزل قطر، حيث أصبح واضحا أن هذا الجهد مصيره الفشل.

إغلاق الفجوات وبناء التحالفات

ولدى الرياض ميل لدعم أصدقاء الجوار أيضا. وفي أواخر القرن العشرين، مولت المملكة المجاهدين الأفغانيين لوقف تعدي الاتحاد السوفييتي. وبعد ثلاثة عقود، وبطريقة مماثلة، أيدت الرياض تغيير النظام في مصر للإطاحة بحكومة الإخوان المسلمين في القاهرة، واستبدالها بإدارة أكثر علمانية تدعمها القوات المسلحة.

وحاولت المملكة تعزيز حكومتها المفضلة في اليمن قبل الحرب الأهلية قبل نصف قرن. وفي الستينات، قدمت المملكة مساعدات عسكرية للقوات اليمنية الشمالية التي تقاتل باسم النظام الملكي اليمني. واليوم، تغيرت الجهات الفاعلة والتحالفات في الصراع اليمني، لكن المملكة لا تزال تحاول إنشاء حكومة صديقة في صنعاء، والقضاء على أي تهديدات لاستقرار المملكة من الحدود مع اليمن. لكن فرص نجاح الرياض ضئيلة بنفس القدر الذي كانت عليه قبل عقود، عندما انتهت الحرب اليمنية إلى طريق مسدود.

وفي الآونة الأخيرة، أخذ اتجاه المملكة لدعم شركائها بعدا جديدا يتمثل في تنظيم التحالفات. وبفضل جهود الولايات المتحدة الرامية إلى قيام المملكة بدور أكبر في مبادرات مكافحة الإرهاب وفرض الأمن في المنطقة، أنشأت المملكة التحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب، في ديسمبر/كانون الأول عام 2015. وعلى الرغم من أن الكتلة قد حققت بعض الأهداف المشتركة وقامت بتدريبات عسكرية مشتركة، بدأت أولويات أعضائها المتنافسة بالفعل في الظهور. فحتى حلفاء المملكة الأقرب يترددون في اتباع توجيهاتها للسياسة الخارجية. وقوضت هذه الاختلافات في الرأي تماسك الجهود المشتركة الأخرى في المملكة، بما في ذلك تحالفها العسكري في اليمن، وموقفها ضد قطر، ومقترحاتها في مجلس التعاون الخليجي.

وبالنظر إلى مدى الصعوبة التي تواجهها المملكة في تأمين التعاون الكامل من قبل حلفائها، فإنه ليس من المستغرب أن الحصول على الدعم من أطراف أبعد كان أصعب. ولن تعزز المملكة علاقاتها مع القوى السنية الكبيرة، مثل منافستها منذ فترة طويلة تركيا، وتونس المستقلة، والجزائر، وعمان. وكذلك مع الجهات الفاعلة السنية التي تعتمد على قدر من الدعم الإيراني، مثل السودان وحتى القوى الفلسطينية. وعلى الرغم من أن المملكة قد حاولت استخدام التجمعات الإقليمية، بما فيها منظمة التعاون الإسلامي والجامعة العربية، لتعزيز رؤية مشتركة تلائم تطلعاتها، إلا أنها لم تحقق نجاحا كبيرا حتى الآن. وفي الواقع، جاءت محاولاتها لتوحيد جيرانها ضد إيران بنتيجة عكسية غير مقصودة بدفع تلك الحكومات للتقارب مع الإيرانيين.

تفوق إيراني

لقد واجهت السعودية الكثير من المشاكل في مواجهة إيران في ساحة المعركة، كما هو الحال في المجال الدبلوماسي. وبالمقارنة مع إيران، تتمتع المملكة بخبرة عسكرية أقل، وليست هي القوة الوحيدة الممثلة لطائفتها الدينية في المنطقة. لكن إيران، على النقيض من ذلك، هي القوة الشيعية الرئيسية في العالم الإسلامي.

وطورت طهران لأعوام طويلة علاقاتها بالميليشيات الشيعية عبر الشرق الأوسط، في حين كانت جهود الرياض ضعيفة في هذه المساحة من العمل. على سبيل المثال، دعمت المملكة الميليشيات السنية في لبنان منتصف العقد الأول من القرن العشرين. ومنذ ذلك الحين، شدد حزب الله، وهو عبارة عن ميليشيات تدعمها إيران، قبضته على البلاد.

وفي الجنوب، بعد نحو 3 أعوام من بدء حملة القصف على اليمن، لا يزال المتمردون الحوثيون قادرين على إطلاق صواريخ على الأراضي السعودية، على الأرجح بالأسلحة التي توفرها إيران. وفي العراق، سعت المملكة إلى تحديد الشركاء بين المجتمعات السنية المجزأة في البلاد ودعمهم. ومن ناحية أخرى، بنت إيران شبكة أكثر استدامة من الحلفاء والميليشيات السياسية في العراق. وبسبب الضعف النسبي لنفوذها في البلاد، تستمر المملكة في طلب المساعدة من الولايات المتحدة في سعيها إلى تحقيق اختراقات سياسية جديدة في بغداد، وهي استراتيجية سيكون من الصعب تنفيذها في حين تبحث واشنطن عن سبل للانسحاب من منطقة.

ولا يمكن لأي من التحديات التي تواجه السعودية في سياسة التدخل الجديدة أن تمنع المملكة من السعي بقوة لتحقيق مصالحها على نفس المنوال. ومع ذلك، سوف تواجه الرياض صعوبة في تشكيل جوارها كما تراه مناسبا. لأن الشرق الأوسط متقلب للغاية، وإيران منافسة قوية جدا لأن تسمح بتشكيل المنطقة على هوى السعودية.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران الشرق الأوسط اليمن لبنان